يُعدّ التحليل الأساسي أقدم أساليب تحليل الأسواق المالية وتوقع اتجاه أسعار العملات، إذ استُخدم منذ قرون قبل توفر الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تسهّل عملية الحصول على الأخبار.
على سبيل المثال، كان خبر انتصار أو هزيمة دولة في الحرب يستغرق عدة أشهر حتى ينتشر عالميًا، ومع ذلك ظل هذا النوع من الأخبار يؤثر بشكل كبير على قوة أو ضعف عملة الدولة المعنية، وكذلك على أسعار المعادن والثروات، بل وحتى على اقتصادات الدول الحليفة. والتاريخ مليء بقصص لأشخاص حققوا ثروات طائلة لمجرد معرفتهم بمثل هذه الأخبار قبل غيرهم.
يقوم التحليل الأساسي على توقع الحالة الاقتصادية للسوق العالمي ككل، إضافةً إلى دراسة الأسواق المحلية كأجزاء منه. فبناءً على قوة أو ضعف عملة ما، والتي يمكن استنتاجها من خلال عوامل اقتصادية متعددة، يمكن للمتداول اتخاذ قرارات شراء أو بيع بهدف تحقيق الربح.
ويعتمد هذا النوع من التحليل على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، من أبرزها: معدلات النمو، معدلات التضخم، أسعار الفائدة، معدلات البطالة، وغيرها. فعلى سبيل المثال، عند الإعلان عن ارتفاع معدل البطالة في بلد ما، فهذا مؤشر على ضعف عملة هذه الدولة بغض النظر عن درجة الضعف. كما أن الأحداث السياسية أو العسكرية، مثل اندلاع حرب أو انفجار بئر نفط في منطقة مضطربة، قد تؤثر على عدد كبير من العملات.
الدول المصدّرة للنفط، مثلًا، تستفيد من ارتفاع الطلب على منتجاتها لتعويض النقص في السوق، مما يعزز اقتصادها. بينما الدول المستوردة للنفط تتأثر سلبًا لارتفاع تكاليف الاستيراد. وباختصار، لكل دولة خصوصيتها في مدى تأثرها بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مفهوم التحليل الأساسي
في عالم الفوركس، التحليل الأساسي هو منهج يهدف إلى تحليل الأسواق المالية للدول ودراسة قوتها الاقتصادية للتنبؤ بسعر عملتها المحلية. يهتم هذا التحليل بدراسة ومراقبة أسباب تغير أسعار العملات، للوصول إلى قرارات تداول صحيحة.
كما يعتمد على تحليل الأخبار الاقتصادية والسياسية العالمية، ودراسة أوضاع الأسواق لمعرفة ما يمكن توقعه عند صدور بيان معين أو وقوع حدث مهم مثل الكوارث أو الحروب، حيث تساعد هذه المعلومات على التنبؤ بمدى تأثير الظروف الاقتصادية على قيمة العملة صعودًا أو هبوطًا.
ومع ذلك، لا ينبغي الاعتماد على التحليل الأساسي وحده، بل يُستحسن دمجه مع التحليل الفني، خاصةً في التداولات قصيرة المدى، للحصول على أفضل النتائج.
أهمية التحليل الأساسي
هناك عوامل اقتصادية يمكن التنبؤ بها نسبيًا، مثل سعر الفائدة الذي يحدده البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عدة مرات سنويًا. لكن الأحداث السياسية أو العسكرية المفاجئة يصعب التنبؤ بها أو بتأثيرها المباشر.
الفائدة الحقيقية للتحليل الأساسي تكمن في فهم خصوصية كل عملة والتصرف بسرعة وبدقة في الوقت نفسه. فمثلًا، من يعرف خصوصية الين الياباني يمكنه تقدير تأثير تحرك عسكري في كوريا الشمالية على قيمته، في حين قد لا يكون للأمر نفس التأثير على عملات أخرى.
كما أن تأثير خبر مثل التضخم قد يختلف جذريًا من دولة إلى أخرى حتى لو كانت نسبته متشابهة، وذلك تبعًا لهيكل الاقتصاد.
مع أن التحليل الأساسي دقيق وفعّال، فإنه لا يتحكم بالسوق بشكل كامل، فهو أداة لفهم آلية الحركة، لكن العوامل الأخرى قد تطغى أحيانًا وتؤدي لنتائج مخالفة للتوقعات.
القواعد الأساسية للتحليل الأساسي
- الأسعار لا تتحرك عشوائيًا، بل دائمًا هناك سبب يحدد الاتجاه.
- يمكن توقع العوامل المؤثرة على حركة السعر علميًا وعمليًا.
- الأحداث الجيوسياسية المفاجئة هي من أقوى المؤثرات وغالبًا يصعب التنبؤ بها.
كيفية استخدام التحليل الأساسي
الفكرة الجوهرية في التداول أن سعر الأصل قد يرتفع أو ينخفض، لكنه غالبًا يعود إلى قيمته الحقيقية بمرور الوقت. هنا تأتي أهمية التحليل الأساسي في تحديد القيمة الحقيقية ومقارنتها بالسعر الحالي لاختيار فرص التداول، خصوصًا على المدى الطويل.
ويقوم التحليل الأساسي بدراسة الوضع الاقتصادي العام والبيئة المالية العالمية من خلال مؤشرات عديدة، من أهمها:
- مؤشرات الثقة
- مؤشرات الأسعار والأجور
- مؤشرات معدلات الفائدة
- مؤشرات سوق العمل
- مؤشرات الإنتاج
- مؤشرات ميزان المدفوعات
- الميزان التجاري
- تغييرات سياسات البنوك المركزية
تساعد هذه المؤشرات، عند تحليلها بدقة، على توقع حركة العملات واتخاذ قرارات تداول سليمة، خاصة للصفقات متوسطة وطويلة المدى.
أمثلة عملية على تأثير التحليل الأساسي
- ارتفاع سعر عملة دولة ما يجعل صادراتها أغلى، ما يقلل الطلب الخارجي عليها، وبالتالي قد تتدخل الدولة ببيع كميات من عملتها لخفض قيمتها.
- مثلًا، عند ارتفاع الين الياباني مقابل الدولار، تدخل البنك المركزي الياباني ببيع مليارات الينات في الأسواق العالمية لخفض قيمته وحماية صادراته.
- متابعة الأخبار السياسية، مثل حرب الخليج، تُظهر كيف يمكن للأحداث أن تؤدي لانخفاض حاد في عملة مثل الدولار أمام عملات أخرى.
الفرق بين التحليل الأساسي والتحليل الفني
- التحليل الأساسي يركز على المؤشرات الاقتصادية والسياسية ولا يعير اهتمامًا مباشرًا للسعر الحالي.
- التحليل الفني يركز على السعر الحالي وتاريخه دون النظر كثيرًا للعوامل الاقتصادية.
- كلاهما مكمل للآخر، ولا يُنصح بالاعتماد على أحدهما فقط.
قصير المدى أم طويل المدى؟
- التحليل الأساسي أكثر فائدة للتداولات طويلة المدى، حيث يُبنى على دراسة معمقة للاتجاه العام لاقتصاد الدولة.
- أما في التداولات اليومية، فيكون الاعتماد على تأثير الأخبار والإفصاحات الاقتصادية والنفسية على السوق أكبر، وغالبًا ما يكون تأثيرها قصير المدى.
- أحيانًا، قد يؤدي تصريح سياسي أو اقتصادي من مسؤول ما إلى تغيير اتجاهات السوق حتى لو لم يكن مستندًا إلى بيانات حقيقية، نتيجة للتأثير النفسي على المتداولين.