ما هو التضخم الاقتصادي (Inflation)؟
أسبابه، أنواعه، طرق قياسه، وتأثيره على سعر صرف العملة
يُعد التضخم أحد أكثر المفاهيم تداولاً في علم الاقتصاد، ومع ذلك يظل تعريفه مرناً وغير محصور بتفسير واحد، إذ تختلف آراء الاقتصاديين حول المعنى الدقيق للمصطلح. ويُستخدم “التضخم” لوصف مجموعة من الظواهر الاقتصادية، مثل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، أو انخفاض القوة الشرائية للنقود، أو حتى تضخم الدخل النقدي.
تعريف التضخم الاقتصادي
يُعرَّف التضخم بأنه انخفاض مستمر في القوة الشرائية للنقود خلال فترة زمنية معينة، ناتج عن الارتفاع المستمر – وليس المؤقت – في أسعار السلع والخدمات. على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر سلعة ما مؤقتاً بسبب موسم معين أو نقص مؤقت في العرض، فعند عودة الأسعار إلى مستواها الطبيعي لا يُعتبر هذا تضخماً.
يشمل مصطلح التضخم عدة أنواع من الظواهر، منها:
- تضخم الأسعار
- تضخم الدخل
- تضخم تكلفة الإنتاج
- التضخم النقدي (زيادة طباعة العملة)
- تضخم الائتمان
ورغم هذا التوسع في المفهوم، فإن مصطلح “التضخم” يُقصد به غالباً “تضخم الأسعار” بشكل أساسي.
أسباب التضخم الاقتصادي
تتعدد الأسباب المؤدية إلى نشوء التضخم، ومنها:
- تضخم التكلفة
عندما ترتفع التكاليف التشغيلية لمزودي السلع والخدمات، تنعكس تلك الزيادات على أسعار المنتجات النهائية. - تضخم الطلب
يحدث عند زيادة الطلب على السلع مقابل عرض ثابت أو ضعيف، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. - أسباب سياسية
مثل العقوبات الاقتصادية أو الحصار الدولي، كما حدث في العراق وإيران وكوبا. - ارتفاع معدلات الفائدة
تؤثر الفوائد المرتفعة في تكلفة الاقتراض وبالتالي في الإنتاج والاستهلاك. - زيادة طباعة العملة دون غطاء إنتاجي
ما يؤدي إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة وارتفاع الأسعار بشكل عام.
أنواع التضخم الاقتصادي
1. تضخم الطلب (Demand Inflation)
ويعد المفهوم التقليدي للتضخم، ويحدث عندما يتجاوز الطلب العرض. ويأخذ عدة أشكال:
- التضخم الأصيل: نتيجة ضعف الإنتاج مقارنة بالطلب.
- التضخم الزاحف: ارتفاع تدريجي للأسعار رغم ثبات الإنتاج.
- التضخم المكبوت: تضخم فعلي تخفيه سياسات حكومية تمنع ارتفاع الأسعار.
- التضخم المفرط: انهيار كامل في ميزان العرض والطلب يؤدي لارتفاع مفرط في الأسعار.
2. تضخم التكلفة (Cost-Push Inflation)
ينتج عن زيادة غير متناسبة في تكلفة عناصر الإنتاج، مثل الأجور والمواد الخام، مما يدفع الأسعار للارتفاع.
3. التضخم الجامح (Hyperinflation)
انخفاض حاد في قيمة العملة مقابل السلع والخدمات دون تدخل حكومي فعّال، كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
كيف يؤثر التضخم على سعر صرف العملة؟
يُعتبر التضخم من أهم العوامل التي تؤثر على قيمة العملة. فارتفاع معدلات التضخم يقلل من جاذبية العملة لدى المستثمرين والمستهلكين، مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها مقابل العملات الأجنبية. والعكس صحيح: انخفاض التضخم يعزز من ثقة المستثمرين بالعملة.
كيف تسيطر الحكومات على التضخم؟
1. السياسة المالية (من خلال وزارة المالية)
- تقليل الإنفاق الحكومي.
- فرض ضرائب على السلع الكمالية.
- بيع أدوات الدين العام لسحب السيولة من السوق.
2. السياسة النقدية (من خلال البنك المركزي)
أدوات كمية:
- السوق المفتوحة (بيع وشراء السندات).
- رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي على البنوك.
أدوات نوعية:
- اتفاقيات تنسيق بين البنك المركزي والمصارف التجارية، فعالة خصوصاً في الدول النامية.
أسعار الفائدة:
- رفع الفائدة للحد من التضخم.
- تشجيع الادخار والاستثمار بالعملات الأجنبية.
أدوات قياس التضخم
- مؤشر أسعار المستهلكين (CPI): يقيس التغير في تكلفة سلة السلع والخدمات.
- مؤشر أسعار المنتجين (PPI): يسبق أحيانًا مؤشر المستهلكين، ويقيس تكلفة الإنتاج.
- مبيعات التجزئة: مؤشر غير مباشر على التضخم.
دراسة حالة: التضخم الاقتصادي في فنزويلا
رغم امتلاك فنزويلا لأكبر احتياطي نفطي في العالم، إلا أنها عانت من واحدة من أسوأ أزمات التضخم في التاريخ الحديث.
- بدأت الأزمة في الثمانينات، لكنها تفاقمت بشكل كبير بعد عام 2014 بسبب اعتماد الاقتصاد بشكل شبه كامل على عوائد النفط.
- في عام 2014 بلغ التضخم 69%، وفي 2015 وصل إلى مليون بالمئة!
- توقفت السلطات عن إصدار أرقام رسمية لاحقًا، لكن صندوق النقد الدولي قدّر معدلات تضخم تصل إلى 10 ملايين بالمئة.
- أدى ذلك إلى رفع الأجور أكثر من 26 مرة خلال سنوات قليلة، وتراجعت العملة الوطنية بشكل كارثي.
خلاصة
التضخم الاقتصادي ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، تؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية للأفراد وتلعب دوراً محورياً في تحديد السياسات الاقتصادية وسعر صرف العملة. فهم أسبابه وأنواعه وطرق قياسه يُعد أمراً أساسياً لأي متداول أو باحث في الاقتصاد الكلي.
