ما أثر الأحداث الجيوسياسية في سوق العملات؟ وما المقصود بالجيوسياسية والجغرافيا السياسية والفارق بينهما؟ وكيف تنعكس التطورات السياسية والجغرافية في حركة الأسواق المالية وأسعار الصرف؟ هذه الأسئلة تشكّل أساس فهم العلاقة بين السياسة والاقتصاد والأسواق، وهي مدخلٌ لازم لكل متداول يرغب في قراءة السوق قراءة صحيحة.
تعريف المصطلحات والتمييز بينها
الجيوسياسة هي دراسة تأثير العوامل الجغرافية—الموقع، والموارد، واليابسة، والبحار—في صناعة القرار السياسي، وكيفية توظيف المزايا النسبية للأرض ضمن تصورٍ استراتيجي يخدم مصالح الدولة.
أما الجغرافيا السياسية فتتعلق بكيف يطبع الواقع الجغرافي سياسة الدولة ويحدّد خياراتها، أي استخدام المعطيات الطبيعية والموارد لتشكيل التوجهات والقرارات. تزداد قوة الدول عادةً بوفرة عناصرها الجغرافية؛ فدولٌ كروسيا مثالٌ على وزنٍ سياسي تغذّيه عناصر المكان، بينما يتراجع الوزن السياسي في بيئات جغرافية أقل ملاءمة.
في المقابل، تشير الجيوسياسية—بالمعنى العملي—إلى الحاجات السياسية التي تدفع الدولة للتوسع أو إعادة تشكيل نفوذها حتى خارج حدودها حين تقتضي مصالحها ذلك، بما يفضي إلى تأثير السياسة في الجغرافيا. ويُستشهد هنا باتساع النفوذ الأميركي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي سابقًا بوصفه تحركًا سياسياً أنتج آثارًا جغرافية على مستويات البر والبحر والجو.
الخلاصة: الجغرافيا السياسية = أثر الجغرافيا على السياسة، والجيوسياسية = أثر السياسة حين تُعيد رسم الجغرافيا ومجالات النفوذ.
كيف تنعكس الجيوسياسة على الفوركس؟
تعد قوة الإعلام في نقل الأخبار السياسية أحد أهم محرّكات السوق، إيجابًا أو سلبًا. لذا يلزم المتداول فهم ديناميات الخبر وتأثيره. فالحروب، واتفاقات السلام، والثورات، والانتخابات، والعمليات الإرهابية، كلها أحداث تُحدث انحرافات واضحة في اتجاهات الأسواق، فتتبدّل أسعار العملات والسلع—خصوصًا النفط—وقد تنعطف الاتجاهات كليًا مقارنة بما قبل الحدث.
شهد الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة نمطًا غير اعتيادي من النمو، عالي الحساسية للصدمات. والعوامل المؤثرة باتت تتجاوز المحلي إلى الإقليمي والدولي. فمؤشرات الازدهار أو ارتفاع الدخل تعكس أثرًا قوميًّا، لكن امتداد الاستثمارات والعلاقات خارج الحدود ينقل التأثير إلى مستوى أوسع، ويحوّل أي حدث سياسي كبير إلى موجات سعريّة عبر الأسواق العالمية.
الأحداث الجيوسياسية—سواء كانت كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان—تؤثر مباشرةً في الأوضاع الاقتصادية، فتبطئ الإنتاج وتضغط على العملات المحلية والسلع والأسهم. تتحرك أسعار الصرف تبعًا لتغيرات الطلب والعرض على السلع والخدمات والعملات ذاتها. مثال ذلك، وصول الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض ترافق مع دعمٍ للدولار آنذاك بفعل وعودٍ انتخابية بخفض الضرائب وتحفيز النمو.
الأحداث الجغرافية والكوارث الطبيعية
الكوارث الطبيعية—كالزلازل والأعاصير والفيضانات—تُحدث خسائر مادية وتضر بالبنية التحتية وتهدد منشآت وموارد حيوية، ما ينعكس على قوة العملة المحلية مقارنةً بنظيراتها. وبالتالي فإن سوق الفوركس يستجيب سريعًا لهذه التطورات، نظرًا لتأثيرها المباشر في الإنتاج وسلاسل الإمداد وكلفة الطاقة والتجارة.
لماذا متابعة الخبر ضرورة للمتداول؟
يتأثر سوق العملات بشكل مباشر وفوري بأي حدث عالمي، سواء كان التأثير مباشرًا أو غير مباشر. لذلك، على من يتداول في الفوركس متابعة الأخبار الجيوسياسية بالتوازي مع البيانات الاقتصادية، والمقارنة بين الأحداث لاستخلاص السيناريو الأرجح، تجنبًا لقرارات تداول خاطئة.
أمثلة محددة على أثر الجيوسياسة
- حادثة ناقلة في خليج عمان: أدى تفجيرٌ استهدف سفينة شحن نفطية قرب مضيق هرمز إلى موجة تذبذب حادة؛ ارتفع الحذر، وتزايدت عمليات البيع، فتراجعت الأسهم والعملات إقليميًا، بينما صعدت أسعار النفط. استفاد متداولون متمرّسون من هذه التقلبات بما يوافق قراءتهم للمخاطر.
- توترات روسيا والغرب وانعكاسها على الروبل: تصاعد الخلافات السياسية خلال فترةٍ سابقة ضغط على الروبل وأدخله في ما وُصف بـ«مصيدة جيوسياسية»، بعد أن كان في مسار تحسّن نسبي، وزاد القلق مع تجميد أو إلغاء اتصالات رفيعة وتبادل انتقادات سياسية.
- عاصفة استوائية في خليج المكسيك: خفضت شركات النفط الأميركية إنتاجها بأكثر من النصف نتيجة عاصفة استوائية، فارتفعت أسعار النفط تبعًا لتراجع المعروض مؤقتًا.
- الذهب كملاذ آمن: تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، والحرب التجارية الأميركية–الصينية، رافقهما ارتفاع واضح في سعر الأونصة باعتبار الذهب ملاذًا آمنًا، قبل أن يتراجع مع انحسار حدّة المخاطر لاحقًا.
2020: نموذج لفترة صدمات متعاقبة
شكّلت بداية عام 2020 إحدى أكثر المراحل اضطرابًا منذ الكساد الكبير. تزامنت صدمات متلاحقة: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما حمله من انعكاسات على الجنيه الإسترليني واليورو والاقتصاد الأوروبي، إلى جانب توترات سياسية داخلية في الولايات المتحدة شملت مسارات تشريعية حساسة أثّرت في شهية المخاطرة عالميًا. ثم جاء تفشي فيروس كورونا من ووهان وانتشاره عالميًا، ولم تكن الصدمة في الفيروس ذاته بقدر ما كانت في الإجراءات الاحترازية التي أوقفت النشاط الإنتاجي والخدمي والتجاري على نطاق واسع، فأصابت الأسواق بحالة شبه شلل، وتحولت السيولة إلى الملاذات الآمنة، وارتفعت تقلبات العملات والسلع.
خلاصة عملية للمتداول
تتداخل أدوات التحليل الأساسي والتحليل الفني مع قراءة المشهد الجيوسياسي لتشكيل صورةٍ متكاملة عن المخاطر والفرص. الأحداث الجيوسياسية—متوقعة كانت أم مباغتة—من أقوى محرّكات الأسعار. بفهمها يمكن للمتداول أن:
- يقدّر الأثر المحتمل على الأدوات التي يتعامل معها.
- يتجنب الأصول الأكثر حساسية ويتحوّل نحو بدائل أقل مخاطرة أو ملاذات آمنة كـالذهب عند الحاجة.
- يبني تصورًا واضحًا للاقتصاد الكلي والجزئي يساعده على اتخاذ قرارات أدق في التوقيت والحجم وإدارة المخاطر.
الخلاصة: قراءة الجيوسياسة ليست ملحقًا في التداول، بل جزءٌ أصيل من منهج إدارة المخاطر واتخاذ القرار في أسواق الفوركس.